فصل: الطاعات والمعاصي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة



.متى يجوز الاحتجاج بالقدر:

1- يجوز أن يحتج الإنسان بالقدر على المصائب كما في القسم الأول، فإذا مرض الإنسان، أو مات، أو ابتلي بمصائب بغير اختياره فله أن يحتج بقدر الله فيقول: قَدَّرَ الله وما شاء فعل، وعليه أن يصبر، ويرضى إن استطاع؛ لينال الثواب كما قال سبحانه: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة/155- 157].
2- لا يجوز أن يحتج الإنسان بالقدر على المعاصي فيترك الواجبات، أو يفعل المحرمات؛ لأن الله أمر بفعل الطاعات، واجتناب المعاصي، وأمر بالعمل، ونهى عن الاتكال على القدر.
ولو كان القدر حجة لأحد لم يعذب الله المكذبين للرسل كقوم نوح وعاد وثمود ونحوهم، ولم يأمر بإقامة الحدود على المعتدين.
ومن رأى القدر حجة لأهل المعاصي يرفع عنهم الذم والعقاب فعليه ألّا يذم أحداً ولا يعاقبه إذا اعتدى عليه، ولا يفرِّق بين من يفعل معه خيراً أو شراً، وهذا باطل.

.حكم فعل الأسباب:

ما قدَّره الله للعبد من خير أو شر قدَّره مربوطاً بأسبابه، فللخير أسبابه وهي الإيمان والطاعات، وللشر أسبابه وهي الكفر والمعاصي.
والإنسان يعمل بمحض الإرادة التي قدرها الله له، والاختيار الذي منحه الله له، ولا يصل العبد إلى ما كتب الله عليه وقدره له من سعادة أو شقاء إلا بواسطة تلك الأسباب التي يفعلها باختياره الذي منحه الله إياه، فلدخول الجنة أسباب يجب فعلها، ولدخول النار أسباب يجب تركها.
1- قال الله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148)} [الأنعام/ 148].
2- وقال الله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)} [آل عمران/132].
3- وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «مَا مِنْكُمْ مِنْ نَفْسٍ إلَّا وَقَدْ عُلِمَ مَنْزِلُهَا مِنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ فَلِمَ نَعْمَلُ؟ أَفَلا نَتَّكِلُ؟ قَالَ: «لَا، اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» ثم قرأ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)} متفق عليه.

.يشرع دفع القدر بالقدر:

فيما يأتي:
1- دفع القدر الذي قد انعقدت أسبابه ولَمّا يقع بأسباب أخرى من القدر تقابله، كدفع العدو بقتاله، ودفع الحر والبرد ونحو ذلك.
2- دفع القدر الذي قد وقع واستقر بقدر آخر يرفعه ويزيله، كدفع قدر المرض بقدر التداوي، ودفع قدر الذنب بقدر التوبة، ودفع قدر الإساءة بقدر الإحسان، وهكذا.

.مشيئة الله عامة لكل شيء:

فعل الخير والشر من العبد لا ينافي نسبتهما إلى الله خلقاً وإيجاداً، فالله خالق كل شيء، ومن ذلك خلق الإنسان وأفعاله، ولكن ليست مشيئة الله عز وجل دليلاً على رضاه.
فالكفر والمعاصي والفساد كائنة بمشيئة الله ولكن الله لا يحبها، ولا يرضاها، ولا يأمر بها، بل يبغضها وينهى عنها، وكون الشيء مبغوضاً مكروهاً لا يخرجه عن مشيئة الله المتضمنة لخلق كل شيء، فلكل شيء خلقه الله حكمة مقصودة واقعة على أساس تدبيره لملكه وخلقه سبحانه.

.أفضل الناس:

أكمل الناس وأفضلهم الذين يحبون ما أحبه الله ورسوله، ويبغضون ما أبغض الله ورسوله، وليس عندهم حب ولا بغض لغير ذلك، فيأمرون بما أمر الله ورسوله به، ولا يأمرون بغير ذلك وهكذا.
فالمسلم في الدنيا يتقلب بين خمسة أمور:
أمر من أوامر الله يمتثله، ونهي يجتنبه، وقدر يرضى به، ونعم يشكر ربه عليها، وذنوب يستغفر ربه منها.

.حكم الرضا بالقدر:

الرضا بالقدر ثلاثة أقسام:
1- الرضا بالطاعات، وهذا واجب.
2- الرضا بالمصائب، وهذا مستحب.
3- الكفر والفسوق والعصيان فهذا لا يؤمر بالرضا به، بل يؤمر ببغضه وسخطه فإن الله لا يحبه ولا يرضاه، وهو وإن خلقه وهو لا يحبه فإنه يفضي إلى ما يحبه كما خلق الشياطين، فنحن نرضى بما خلق الله، أما نفس الفعل المذموم وفاعله فلا نرضى به ولا نحبه.
فالأمر الواحد يُحَبّ من وجه ويُبْغض من وجه كالدواء الكريه، فهو مكروه لكنه يفضي إلى محبوب، والطريق إلى الله أن نرضيه، بأن نفعل ما يحبه ويرضاه، ليس أن نرضى بكل ما يحدث ويكون، ولسنا مأمورين أن نرضى بكل ما قضاه وقدره، ولكننا مأمورون أن نرضى بما أمرنا الله ورسوله أن نرضى به.

.قضاء الله خيراً أو شراً له وجهان:

أحدهما: تعلقه بالرب ونسبته إليه، فمن هذا الوجه يرضى به العبد، فقضاء الله كله خير وعدل وحكمة.
الثاني: تعلقه بالعبد ونسبته إليه، فهذا منه ما يُرضى به كالإيمان والطاعات، ومنه ما لا يُرضى به كالكفر والمعاصي، وكذلك الله لا يرضاها ولا يحبها ولا يأمر بها.
1- قال الله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68)} [القصص/68].
2- وقال الله تعالى: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر/7].
3- وقال الله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)} [الصافات/96].

.أفعال العباد مخلوقة:

الله عز وجل خلق العبد، وخلق أفعاله، وعلم ذلك، وكتبه قبل وقوعه، فإذا فعل العبد خيراً أو شراً انكشف لنا ما علمه الله وخلقه وكتبه، وَعِلْم الله بفعل العبد عِلْم إحاطة، فالله قد أحاط بكل شيء علماً، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
1- قال الله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)} [الصافات/96].
2- وقال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} [الأنعام/59].
3- وقال الله تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61)} [يونس/61].
4- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق: «إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوماً، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ، فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ. فَوالَّذِي لا إلَهَ غَيْرُهُ، إنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا وَإنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا». متفق عليه.

.العدل والإحسان:

أفعال الله عز وجل دائرة بين العدل والإحسان، لا يمكن أن يظلم أحداً، إما أن يعامل عباده بالعدل، وإما أن يعاملهم بالإحسان، فالمسيء يعامله بالعدل، كما قال سبحانه: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى/40].
والمحسن يعامله بالفضل والإحسان كما قال سبحانه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}... [الأنعام/160].

.الأوامر الشرعية والكونية:

للهِ عز وجل نوعان من الأوامر: أوامر كونية، وأوامر شرعية.
والأوامر الكونية ثلاثة أنواع:
1- أمر الخلق والإيجاد، وهو متوجه من الله إلى جميع المخلوقات كما قال سبحانه: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)} [الزمر/62].
2- أمر البقاء، وهو متوجه من الله إلى جميع المخلوقات بالبقاء.
1- قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)} [فاطر/41].
2- وقال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)} [الروم/25].
3- أمر النفع والضر والحركة والسكون والحياة والموت... الخ، وهو متوجه من الله إلى جميع المخلوقات.
1- قال الله تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)} [الأعراف/188].
2- وقال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22)} [يونس/22].
3- وقال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (68)} [غافر/68].
أما الأوامر الشرعية الإلهية فهي موجهة من الله للثقلين الإنس والجن فقط وهي الدين الذي بعث الله به رسله، وأنزل كتبه.
وهي تشمل التوحيد والإيمان، والعبادات، والمعاملات، والمعاشرات، والأخلاق، وبمقدار قوة اليقين، على أسماء الله وصفاته وأفعاله وأوامره الكونية يأتي عند العباد الشوق والرغبة والتلذذ بامتثال أوامر الله الشرعية. وأسعد الناس بذلك أعظمهم معرفة بربهم، وهم الأنبياء ثم من سار على هديهم، وبامتثال أوامر الله الشرعية يفتح الله لنا بركات السماوات والأرض في الدنيا، ويدخلنا الجنة في الآخرة.

.أوامر الله عز وجل نوعان:

1- أوامر شرعية قد تقع، وقد يخالفها العبد بإذن الله، ومنها: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء/23].
2- أوامر كونية لابد من وقوعها، ولا يمكن للإنسان مخالفتها، وهي نوعان:
1- أمر رباني مباشر لازم الوقوع، كما قال سبحانه: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} [يس/82].
2- أوامر ربانية كونية، وهي السنن الكونية التي تتكون من أسباب ونتائج يتفاعل بعضها مع بعض، ولكل سبب كوني نتيجة، ومن السنن الكونية:
1- قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الأنفال/53].
2- وقال الله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)} [الإسراء/16].
وهذه السنة الكونية يمكن لإبليس وأتباعه محاولة تسخيرها لتكون سبباً في هلاك بعض الناس، وقد شرع الله لنا الدعاء والاستغفار للنجاة من ذلك، والدعاء لجوء إلى الله الذي خلق السنن الكونية كلها، فهو القادر على إبطال مفعولها أو تغيير نتيجتها في أي وقت شاء، وكيف شاء كما أبطل مفعول النار على إبراهيم- صلى الله عليه وسلم-: {قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)}... [الأنبياء/69].

.أقسام الحسنات والسيئات:

الحسنات قسمان:
1- حسنة سببها الإيمان والعمل الصالح، وهي الطاعة للهِ عز وجل ولرسوله- صلى الله عليه وسلم-.
2- حسنة سببها الإنعام الإلهي على الإنسان بما يؤتيه الله من مال، وصحة، ونصر، وعزة ونحو ذلك.
والسيئات قسمان:
1- سيئة سببها الشرك والمعاصي، وهي ما يصدر من الإنسان من شرك ومعصية.
2- سيئة سببها الابتلاء، أو الانتقام الإلهي كأمراض الجسم، وضياع المال، والهزيمة ونحو ذلك.
- فالحسنة بمعنى الطاعة لا تنسب إلا إلى الله، فهو الذي شرعها للعبد، وعلَّمه إياها، وأمره بفعلها، وأعانه عليها.
- والسيئة بمعنى المعصية للهِ ورسوله إذا فعلها العبد بإرادته واختياره مُؤْثِراً المعصية على الطاعة، فهذه السيئة تنسب للعبد فاعلها، ولا تنسب إلى الله؛ لأن الله لم يشرعها، ولم يأمر بها، بل حَرَّمها وتوعَّد عليها، كما قال سبحانه: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79)} [النساء/79].
- أما الحسنة بمعنى النعمة كالمال، والولد، والصحة، والنصر، والعزة، والسيئة بمعنى النقمة، والابتلاء كالنقص في المال، والأنفس، والثمرات، والهزيمة وأمثالها، فهاتان الحسنة والسيئة بهذا المعنى من عند الله؛ لأنه عز وجل يبلو عباده ابتلاء وانتقاماً، ورفعة؛ تربية لعباده كما قال سبحانه: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78)} [النساء/78].

.دفع عقوبة السيئات:

إذا عمل المؤمن سيئة فعقوبتها تندفع عنه بما يلي:
إما أن يتوب إلى الله فيتوب الله عليه.. أو يستغفر فيغفر الله له.. أو يعمل حسنات تمحوها.. أو يدعو له إخوانه المؤمنون ويستغفروا له.. أو يهدوا له من ثواب أعمالهم ما ينفعه الله به.. أو يبتليه الله في الدنيا بمصائب تكفِّر عنه.. أو يبتليه في البرزخ بمصائب فيكفِّر بها عنه.. أو يبتليه في عرصات القيامة بما يكفِّر عنه.. أو يشفع فيه نبيه محمد- صلى الله عليه وسلم-.. أو يرحمه أرحم الراحمين، والله غفور رحيم.

.الطاعات والمعاصي:

الطاعة تُولِّد المنفعة، وتثمر الأخلاق الحسنة، والمعصية تُولِّد المضرة، وتثمر الأخلاق السيئة، فالشمس والقمر، والنبات والحيوان، والبر والبحر أطاعت ربها فخرج منها منافع كثيرة لا يحصيها إلا الله تعالى، والأنبياء لما أطاعوا الله خرج منهم من الخير ما لا يحصيه إلا الله تعالى.
وإبليس لما عصى ربه وأبى واستكبر خرج بسببه من الشرور والفساد في الأرض ما لا يحصيه إلا الله تعالى.
وهكذا الإنسان إذا أطاع ربه خرج منه من الخير والمنافع له ولغيره ما لا يحصيه إلا الله تعالى، وإذا عصى ربه خرج منه من الشر والمضار له ولغيره ما لا يحصيه إلا الله تعالى.

.آثار الطاعات والمعاصي:

جعل الله عز وجل للطاعات والحسنات آثاراً لذيذة طيبة محبوبة، لذّتها فوق لذة المعصية بأضعاف مضاعفة، وجعل سبحانه للمعاصي والسيئات آثاراً وآلاماً مكروهة تورث الحسرة والندم، وتُرْبي على لذة تناولها بأضعاف مضاعفة، وما حصل لعبد حال مكروهة قط إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر.
والذنوب مضرة بالقلوب مثل السموم مضرة بالأبدان، والله خلق الإنسان على الفطرة حسناً جميلاً، فإن تلوَّث بالذنوب والخطايا نُزِع منه حسنه وجماله، وإذا تاب إلى الله عاد إليه حسنه وجماله، وبلغ كماله في الجنة.